الاتجاه شمالا .. مصر الجديدة

••كان لابد من توفير أراض جديدة تصلح ضاحية أخرى للعاصمة المصرية ، بعد أن ضاقت القاهرة عن استيعاب الزيادة السكانية المطردة .. ولأن التوسع العمراني للعاصمة يتجه شمالا باستمرار منذ أنشئت الفسطاط ثم شماليها العسكر ثم شماليها القطائع .. ثم شماليها القاهرة .. اتجه أيضا الفكر التعميرى أيام الوالي عباس الأول ، وخطط الحي الجديد الذي حمل اسمه : العباسية .. واستمر هذا الاتجاه التعميرى سائدة ، أي الاتجاه شالا . وهذه المرة جاء الحي الجديد على يد مستثمر طموح بلجيكي الأصل والنشأة ، وإن ساعده وشاركه أرمنی مصرى هو بوغوص نوبار.. . إذا كانت البداية في شمال شرق القاهرة ، غير بعيد عن حي العباسية حتى اعتبرها البعض امتدادا للعباسية .. وغير بعيد عن واحة عين شمس ، وعن المدينة والمعبد والجامعة الفرعونية جامعة أون ، أو عين شمس ، التي أطلق عليها اليونانيون “هليوبوليس”.

الفكرة كانت تقوم على إنشاء مشروع سكني كبير في هذه الهضبة الصحراوية التي ترتفع عن مستوى القاهرة ومستوى سطح النيل .. هذا الموقع الذي يتمتع بمزايا مناخية من أهمها الجفاف لأنه بعيد عن أي مصدر مائی . •• وواتت الفكرة هذا المستثمر البلجيكي إدوارد إمبان ، الذي سبق أن حصل في ديسمبر عام 1894م على امتياز مد أول شبكة لخطوط الترام في القاهرة وجمع رؤوس أموال المشروع من أوروبا .. ولأن الرجل خبر جاذبية الاستثمار في مصر ، فقد تقدم إلى الحكومة المصرية يطلب امتیازة لإنشاء ضاحية جديدة في هذه المنطقة – واحة عين شمس – التي تبعد عن القاهرة بحوالي 10 كيلومترات .. وبدأ الرجل تنفيذ مشروعه ، حتى قبل أن يصدر مرسوم تأسيس الشركة .. فمنذ ۲۰ مايو 1905م ، بدأ إدوارد إمبان وشريكه المصرى بوغوص نوبار باشا ابن أول رئیس لوزراء مصر – شراء الأراضي في تلك المنطقة . وسرعان ما صدر مرسوم تأسيس شركة واحات هليوبوليس يوم 14 فبراير 1906م . وباعت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الأشغال العمومية الشركة الجديدة مساحة 5۹۰۲ فدانا بسعر جنيه واحد للفدان – الفدان 4۲۰۰ متر – وتضمنت الشروط التي وضعتها الحكومة المصرية عدم تخصیص أكثر من سدس المساحة المباعة لشق الشوارع وتشييد المباني وزراعة الحدائق [ وإن كانت هذه المساحة قد زیدت إلى الربع عام ۱۹۰۷م.

••ولم يكن المشروع الأولى يتضمن إنشاء مدينة سكنية .. بل كان يقوم على تقسيم الأراضي ثم بيعها بعد تجهيزها . وبدأ تخطيط ۳۰ کیلو مترا من الشوارع ، وإقامة مشروع للصرف الصحي بطول ۱۰ کیلو مترات . ومد خطوط للمياه طولها ۵۰ كم ، ولكن المشروع واجه عديدا من المشاكل . وعاني من الأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر عام ۱۹۰۷م. وهنا اضطرت الشركة إلى قيامها ببناء المنازل والعمارات ، بقصد التأجير .

وفي عام ۱۹۱۰م زادت المساحة الممنوحة للشركة بمقدار ۱۲ فدانا إضافية ، لتصبح المساحة 5964 فدانا . ثم زيدت المساحة الكلية إلى ۱۱۹۰4 فدادين ، وهنا اشترطت الحكومة مقابل زيادة المساحة إلى هذا الحد، أن تكون الشركة قد أقامت ۱۰۰ منزل على الأقل على المساحة الأولى !! . واشترطت أيضا أن يتضمن البناء إقامة مساكن ومساجد وكنائس وفنادق ومستشفيات ومدارس وأندية وملاعب رياضية . كما اشترطت أن تتولى الشركة إصلاح وتمهيد طريق السويس ، وتحويل خط سكة حديد السويس إلى جنوبی الواحة !!