Site logo

الأرشيف

مصر الجديدة .. لماذا هى هليوبوليس … ولماذا هى أون ؟!

مصر الجديدة .. لماذا هى هليوبوليس … ولماذا هى أون ؟!

 

عندما اختار البارون البلجيكى إدوارد إمبان واحة عين شمس ليقيم عليها مشروعه التعميرى ‏ السكنى الرائد كان يحلم بالربط بين عين شمس القديمة . . وعين شمس الجديدة . . بل إنه حاول كثيراً البحث عن بقايا المدينة التاريخية . وعلى الرغم من أن مدينة هليوبوليس القديمة والشهيرة كانت تقع فى مكان أكثر قرباً من الوادى ‎٠‏ فإنه فشل فى العثور على آثارها ‏ إلا أنه تم إطلاق اسم « هليوبوليس » على الضاحية الجديدة . . مصر الجديدة ‎٠‏ واختار لها الربوة المرتفعة عن مستوى النيل , قريبة من أطلال مدينة عين شمس القديمة . وقد جاء اسم مدينة عين شمس ف التوراة باسم « أون » وكان اسم « أون » مازال باقياً ‎, يطلقه الأقباط على هذه المنطقة أيام الفتح العربى لمصر فى القرن السابع الميلادى. ومعنى هذا الاسم « مدينة الشمس ؛ ‎٠‏ وهو الذى ترجمه اليونانيون فجعلوا اسمها عندهم ‏( هليوبوليس ) ؛ وإن كان العرب قد احتفظوا باسمها القديم ( عين شمس .

 

يقول آرثور رونيه : « كانت هليوبوليس عاصمة إقليم هليوبوليت » . وكان اسمها الدينى باللغة المصرية « يون » وعثر عليه فى اللغتين القبطية والعربية « أون » واسمها المدنى ‎( بير رع) ومعناها مدينة الشمس . وبالتالى فإن لفظ هليوبوليس اليونانى هو ترجمه هذا الاسم .. وكان بجوار هليوبوليس عين ماء معروفة سماها العرب عين شمس ,  فغلب هذا الاسم على المدينة وعرفت به خصوصاً وقد كان فى هذا الاسم ذكرى الشمس وهى معبود أهلها القدماء ».ووصف د. بتلر حال المدينة فى كتابه عن فتح العرب لمصر عندما أتى العرب ‎٠‏

 

 

فقال إنه لم يكن باقيا من مجدها القديم إلا أسوار مهدمة وتماثيل لأبي الهول نصفها مدفون فى الارض ,  و المسلة الشهيرة الباقية إلى اليوم عند قرية المطرية ‎٠‏ وكان مرجع بتلر فى ذلك شامبوليون الأصغر ‎,‏ وقد لاحظ أن الخريطة الحديثة تجعل ‎”‏ أون ” فى موضع تل مرتقع عن الأرض ‎,‏ وتجعل هليوبوليس فى موضع تل الحصن جنوبى هذا التل . ويقول فؤاد فرج فى كتابه عن القاهرة أن هذا خطأ . . لأن أون هى نفس هليوبوليس ومكانها تل الحصن بجوار المطرية . أما الدكتور حسن كمال فيقول : ومدينة أون «عين شمس » كانت قاعدة القسم 13 من أقسام أو مقاطعات مصر القديمة ، واسمها المدنى ‎” بير رع ” أى معبد أو بيت أو مدينة الشمس ‎،‏ واسمها القبطى ‎”‏ فرى ” بمعنى مدينة الشمس ‎،‏ وهو الأصل فى تسميتها باليونانية هليوبوليس .

 

و”أون “هذه كانت منبع الديانة المصرية ومركز دراسة علم اللاهوت والفلسفة. واختط غير بعيد عنها مدينتان شهيرتان هما ” آحو ” و”حا – بن – بن ” والاخيره هي مدينة بابليون ومكانها الآن مصر القديمة . وكان لهاتين المدينتين شأن عظيم فى حروب أوزيريس ‎٠‏ ومن المعروف أن مدن الوجه البحرى هى التى نشرت الحضارة المصرية ووسعت نطاقها ؛ لأن الصلوات و القصائد التى مدحت بها المعبودات وصارت بعد ذلك أصولاً للكتب المقدسة , كان منشؤها فى مدينة أون . كما يقال لها أيضاً مدينة “يون ” . ولما انتقسمت مصر إلى أعمال إدارية ‎٠‏ انتهى بها الأمر الى قسمين مستقلين ‎، ‏ ‏فكانت ‎” أون” فى الجهة البحرية مركزا للحكومة ‎،‏ ومنها انبثق نور المدينة على سكان الأراضى الخصبة وأنشأ فيها الكهنة المدارس والجامعات لبحث أصول الديانات المحلية . وهكذا نشأ نظام الملك فى العالم لأول مرة فى مدينة الشمس على أساس أن الملك ابن الإله رع ، ومثل الالهة على الأرض – وهو مقدس – وإرادته فوق كل إرادة ، وأصبحت كلمته مطاعة على الشعب دون مناقشة . 

 

وكانت مدينة الشمس في الجهة الشمالية من المعبد حيث بقايا الأطلال العالية ولم يبق من آثارها شيء .
وإن كان قد أقيم مكانها قرية عرفت باسم ” تل الحصن ” . وكان حول المدينة ومعبدها سور من اللبن . كما كان الحصن شمالها ، وكانت للسور أبواب على أبعاد متساوية ، وكان لكل باب برجان من الحجر الجيري الأبيض مدون عليهما كتابات هيروغليفية کما ذکر مکسیم دیکان في كتابه ” النيل “. وعندما رفعت وزارة الأشغال الأحجار التي ألقيت خلف وتحت مبانی مقياس النيل بالروضة لتقويتها، وجد على هذه الأحجار كتابات هيروغليفية ، تثبت أنها منقولة من معابد وأبواب مدينة أون القديمة « عين شمس». ويقول ابن سعيد عن كتاب « لذة اللمس في حلى كورة عين شمس » إنها كانت مدينة عظيمة الطول والعرض ، متصلة البناء بمدينة مصر القديمة حيث قامت مدينة الفسطاط بعد ذلك .. ومعنى ذلك أنهم أطلقوا اسم عين شمس على موقعها الحقيقي وعلى ما يليه من أماكن إلى بابیلون وإلى حصنها .

 

وفي أول العصر التركي – آخر العصر المملوکی – وقعت معركة عين شمس بين السلطان العثماني سليم الأول والسلطان طومانباي الذي خلف عمه الغوری ..
ودارت المعركة هنا في الحقول المحيطة بمسلة عين شمس في يناير 1517م .. وبذلك دخل العثمانيون مصر واحتلوها حوالي 400 عام . وفي هذا المكان أيضا وقعت معركة عين شمس بين جيش الحملة الفرنسية بقياده الجنرال كليبر ، والقوات التركية التي حاولت استرجاع مصر من الفرنسيين عام ۱۸۰0م.•وتؤكد متون الأهرام أن معبد رع بمدينة أون ، ويسمى هذا المعبد باسم “هیت سار “، أي قصر الأمير کما تشير المتون إلى الممر المعروف باسم طريق الكباش ، الذي يؤدي إلى الأبواب التي كانت تحرسها تماثيل العجول ..وهذا المعبد هو الذي بناه سنوسرت الأول من ملوك الأسرة ۱۲ عام ۲4۳۳ق.م بمناسبة عيد الإله ست إلى الصحراء ، ولم يبق منه سوى مسلة واحدة من الجرانيت لا تزال قائمة في مكانها وارتفاعها 66 قدما ، وتحمل كتابات هيروغليفية ذكر بها اسم الملك سنوسرت المحبوب من رع إله أون . وكانت بهذا المعبد أماكن مخصصة للعجل منافيس وطائر مالك الحزين الذي سماه اليونانيون ” فنکس “، بينما اسمه المصرى هو “بنو” ويعرفه الفلاح باسم :البلشون 

 

وكانت مدينة عين شمس مقر عبادة هذا الطائر ؛ إذ كان الكهنة يرون فيه إما الإله أوزيريس أو روح الإله رع . وتقول الأساطير إن عليها كان يلد هذا الطائر . ويقال إنها الشجرة القديمة المقدسة التي كانت داخل المعبد ، وعلى أوراقها كانت الآلهة تكتب أسماء ملوك مصر تخليدا لهم على أوراقها .. ويقال إنها هي شجرة الجميز المقدسة ، وهي المعروفة الآن باسم شجرة العذراء في المطرية ، وأنها من هذه الشجرة المقدسة القديمة . إذ عندما جاءت العائلة المقدسة ومعها السيد المسيح إلى مدينة أون خلال هروبها إلى مصر في عصر هيرودوس حاکم فلسطين الروماني ، استراحت العائلة المقدسة تحت ظل هذه الشجرة القديمة .. ومنذ ذلك الوقت صارت هذه الشجرة تعرف باسم «شجرة العذراء ».

 

وتحت هذه الشجرة ضرب الطفل يسوع الأرض بقدمه فانفجرت عين من المياه العذبة المنعشة ، فشربت مريم وطفلها ويوسف والحمار حتى ارتووا . وغسلت السيدة العذراء ملابس طفلها بمياه هذه العين ، ثم ألقت بالمياه المتخلفة على عصا يوسف النجار ، التي كان قد غرست في الأرض فتحولت إلى شجرة البلسم المعروف باسم البلسان ، ثم أينعت هذه الشجرة وفاحت منها رائحة زكية . ولما نمت زراعة البلسم وأصبح عصيره دواء ناجعا للجروح والأمراض المستعصية ، أصبح البلسان من أغلى ما يقتني . وكان البلسان ، يتم حصاده بفصد فروع الشجرة وجمع السائل المتخلف من هذا الفصد في أوان فضية .. وكانت هذه العملية تتم خلال فصل فيضان النيل ..  أما عين المياه تحت شجرة العذراء فلا تزال باقية في المطرية ، وقد ركبت عليها ساقية تروي المنطقة . وإذا كانت مياه كل عيون هذه المنطقة ملحية ، إلا أن مياه هذه العين عذبة منعشة .. وتروي الأساطير أن سكان ضاحية المطرية هذه لا يخمر لهم عجين بسبب بخلهم؛حيث لم يقدموا للعائلة المقدسة طعاما عندما نزلت بالمنطقة … وكانت العائلة جائعة .. ••ولا يمكن أن ننهي الحديث عن عين شمس ، دون ذكر جامعتها ، ولم يبق منها إلا مسلة واحدة ، وهي إحدى مسلتين أقامها سنوسرت الأول عند مدخل معبد رع . أما المسلة الأخرى فقد سقطت عام ۱۱۹۰م . وبقيت هذه المسلة شاهدا على عظمة المنطقة والمعبد العظيم الذى اندثر ، وبجوار هذه المسلة ، كانت تقوم جامعة عين شمس ، ضمن معبد رع حيث أقدم جامعة في العالم ، التي خلفتها جامعة الإسكندرية.. وفي جامعة أو معبد رع بمدينة أون القديمة ، تم زواج يوسف الصديق بعد أن صار وزیر مصر الأكبر من ابنة الكاهن الأكبر لمعبد عين شمس . وفي هذا المعبد أقام تحوتمس الثالث الثالث( الأسرة ۱۸ ) مسلتين نقلتهما الملكة كليوباترا إلى الإسكندرية ووضعتهما أمام معبد السيزاريوم . وقام محمد على باشا بإهداء إحدى المسلتين إلى مدينة لندن ، فأقيمت عام ۱۸۷۷م على ضفاف نهر التيمز ، ونقلت الثانية إلى أمريكا حيث أقيمت في ميدان سنترال بارك في نيويورك .

 

 
وفي معبد وجامعة عين شمس ، تلقى النبي موسى حكمة المصريين وعلومهم على أيدي کهنة معبد رع ، وهنا دار الجدل والحوار بين هيرودوت وأكبر الكهنة . وهنا تلقی أفلاطون علومه ، ودرس أدوکسیس عالم الرياضة الحكمة وعلم الفلك ، وتخرج كلود بطليموس الجغرافي الكبير . وهنا رأى استرابون المنازل التي كان يقيم بها العلماء في العصر اليونانی .في هذا المكان ، حيث عين شمس أو أون ، اختار البارون إدوارد إمبان أن يقيم مشروعه العظيم : ضاحية مصر الجديدة ، أو هليوبوليس .. التي هي عين شمس .
وهذه هي أصل الحكاية .. فماذا عن الضاحية الجديدة التي أقيمت في هذا الموقع التاريخي أو قريبة منه !!

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment