Site logo

الأرشيف

فلسفة شوارع مصر الجديدة

 

فلسفة شوارع مصر الجديدة

 

••ليست هناك قاعدة مطلقة في تسمية الشوارع .. في الدول التي ليس لها تاريخ قدیم ، نجد قاعدة إطلاق الأرقام على الشوارع . وأبرز مثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ؛ إذ لايزيد عمرها كدولة مستقلة على قرنين من الزمان .

 

وفي الدول العسكرية ذات التاريخ العسكري والبطولات العسكرية الحاسمة ، مثل إنجلترا وإسبانيا وألمانيا نجدهم يطلقون أسماء ومواقع المعارك العسكرية على ميادينهم وشوارعهم الأساسية ، وأيضا أسماء القادة العسكريين .. وفي الدول ذات النظام الملكي العريق ، نجد أسماء الملوك والأميرات ،والأباطرة. وامتد الأمر إلى الدول المتدينة ذات التاريخ الديني ، فنجدهم يطلقون أسماء القديسين . وربما أفضل مثل على ذلك فرنسا ؛ إذ نجد كلمة سان ، أو سانت أي القديس أو القديسة على كثير من الشوارع ، وفي باريس نجد أشهر شارع في الحى اللاتيني هو “سان” ، میشیل . بل إن الشارع الرئيسي الذي يصل بين كوبري الجمعية الوطنية على نهر السين ، وواحد من أشهر أحياء العاصمة الفرنسية اسمه شارع «سان جرمان ». نجد هذه الظاهرة في إسبانيا .. وفي إيطاليا ، بل وفي روسيا قبل الشيوعية وبعد الشيوعية ، وهذا يتمثل في مدينة : سان بطرسبورج .. وهكذا .

 

 

ولكن الوضع في مصر يختلف ، فنحن شعب تاريخه عريق وعميق ، عاش عهودا فرعونية زاهرة .. ويونانية .. ورومانية وقبطية ، ثم عهودا إسلامية امتدت لما يقرب من 14 قرنا حتى الآن . هذا التاريخ أعطى لنا وفرة في الأسماء التي نفخر بأن نطلقها على شوارعنا ومدننا .. ومياديننا .. ••وفي ضاحية أو حي مصر الجديدة ، نجد هذا المثل واضحا غاية الوضوح . نجد من الأسماء الفرعونية : رمسيس .. تحوتمس .. أبو سنبل .. ومن الأسماء اليونانية نجد اسم الضاحية نفسه : هليوبوليس ، ونجد اسم منشیء الإسكندرية ، الإسكندر الأكبر نفسه ، ونجد كليوباترا . ومن الأسماء القبطية نجد فريد بك سمیکه .. 

 

 

••أما من العصر الإسلامي فالحديث يطول : نجد الخلفاء الراشدين الأربعة : أبوبكر .. عمر بن الخطاب .. عثمان بن عفان.. والإمام على ، ثم نجد من الخلفاء : هارون الرشید .. والخليفة المأمون .. والخليفة المنصور … کا نجد الإمام الغزالي .ونجد شوارع تحمل أسماء المدن العربية والإسلامية ، مثل : بغداد .. بيروت .. دمشق .. غرناطة .. الخرطوم .. بل نجد شارع الحجاز نفسه ، وشارع فلسطين .. وهل ننسى شارع العروبة ( كلها » ممثلة في هذا المحور الرئيسي ، الذي يبدأ من شارع صلاح سالم ، وحتي يصل إلى المطار !! ونجد شوارع تحمل أسماء مدن مصرية ، مثل : دمياط .. رشيد .. أسوان … فارسكور .. المنصورة … منوف .. أشمون .. طنطا .ونجد أساء لقادة تركوا بصماتهم على التاريخ المصرى ، مثل : صلاح الدين .. إبراهيم باشا .. مراد بك .. بونابرت .

 

 

ومن الأسماء التي لها تاریخ مرتبط بالتاريخ المصري ، نجد اسم فردناند ديليسبس . ومن باشوات مصر ، نجد على شوارع مصر الجديدة اسمى اثنين من عائلة المطیعی اللذين ينسبان إلى قرية المطيعة التابعة لمحافظة أسيوط . ونجد شوارع : شريف باشا السياسي الكبير وأبو الدستور المصري ، وعبد الواحد الوكيل باشا وعبد العزيز فهمی باشا قاضي القضاة وأحد ثلاثه ذهبوا لمقابلة المعتمد البريطاني ريجنالد وينجت ليطلبوا لمصر الاستقلال يوم 13 نوفمبر ۱۹۱۸م. ونجد شارع رشدى باشا أحد رؤساء وزارات مصر ، وشارع عبد الحميد بدوى القانوني المصري البارع ، الذي أصبح قاضية بمحكمة العدل الدولية وكان وزيرا مصريا . ونجد شارع محمد بك رمزی مفتش المالية، الذي وضع سفرا عظيما عن المدن والقرى المصرية ، يعد واحدا من أهم المراجع في الخطط المصرية . ونجد شارع نوبار باشا شريك البارون في مشروع هذه الضاحية ، وكان مديرا مصريا للسكك الحديدية المصرية لفترتين طويلتين في نهاية القرن 19م ، وهو ابن نوبار نوباریان ، أول رئيس للنظار « للوزراء » في عصر مصر الحديثة أيام الخديو إسماعيل . ونجد شارع الميرغنى ، وهو الزعيم السوداني الديني السيد على الميرغني زعيم الطائفة الختمية ، وزعيم الميرغينية في السودان . وكان حليفا لمصر تواجه به الفرع الآخر للزعامة في السودان ، وهم المهدية الذين ينتسبون للسيد محمد أحمد المهدی زعيم الأنصار ، وزعيم الثورة المهدية . وكان السيد الحسیب النسيب السيد على الميرغني يواجه زعيم الأنصار المهدية : السيد عبد الرحمن المهدي باشا ، الذي منحه الإنجليز لقب سير !!.

 

 

الغرائب .. في أسماء مصر الجديدة

••وبجانب كل هذه الأسماء ، نجد أسماء غريبة على میادین وشوارع الضاحية ، مثل : روکسی .. تريومف .. سفير . فمن هو سفير هذا باتری ! ثم أي نصر هذا الذي تحقق حتى نطلقه على هذا الميدان الشهير . وما النزهة ، وهل كان في مكان الحي بستان يتنزه فيه الناس ؛ حتى يصبح هناك : النزهة والنزهة الجديدة ..وبعد ثورة يوليو ۱۹۵۲م، شهدت ضاحية مصر الجديدة تغييرا كبيرا في الأسماء . وتحولت بعضها إلى أسماء ثورية ، كما دخلت بعض أسماء الأصدقاء السياسيين لمصر مثل نهرو ” جواهر لال نهرو” ، تلميذ الثائر الهندي المهاتما غاندي ، والذي أصبح أول رئيس لوزراء الهند بعد الاستقلال ، وهو والد إنديرا غاندي التي أصبحت رئيسة الوزراء بالهند مرات عديدة ، وشارعه قريب من ميدان روكسي خلف حديقة الميريلاند الشهيرة ..

••واشتهرت مصر الجديدة بوجود مساحات هائلة من الحدائق والخضرة ، لأن فلسفة تخطيطها قامت على غرار المدن والحدائق في أوروبا ، بل إن الجزر الوسطى في المحاور الرئيسية لشوارع الضاحية دائما ما تزرع بالزهور والأشجار . واشتهرت الضاحية بالنوادي الرياضية كبيرة المساحة ذات الحدائق والملاعب . ومن أشهر نواديها الآن : نادى هليوبوليس أمام المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية بالقرب من میدان روکسی ، ونادى الشمس على حدود الضاحية مع طريق جسر السويس ، ونادي الغابة ، ونادى هليوليدو الذي كان مكانه نادي سباق الخيل ، بالإضافة إلى نواد تابعة للقوات المسلحة .

 

المترو .. والترام الأبيض !!

••إذا كان البارون إمبان هو الذي حصل على امتياز مد خطوط الترام الكهربائية في القاهرة عام 1896م ، فإنه أيضا حصل على امتياز مد خطوط للترام تربط بين الضاحية الجديدة والقاهرة ، على أن تبدأ من أول شارع جلال ( عماد الدين حاليا ) إلى كوبري الليمون ، ثم إلى محطة المعلمين شمالى منشية البكرى ، إلى أن يتفرع إلى فروع ثلاثة لتغطي كل مناطق الضاحية ، وكان هناك خط يصل إلى منطقة النزهة ، وخط الميرغنى ، وخط عبد العزيز فهمى . وحتى يشجع البارون إمبان الناس على السكنى في ضاحيته الجديدة ، بدأ تسيير الترام “المترو ” عام 1906م، وكانت التذكرة بالدرجة الأولى 10 مليمات ، وبالدرجة الثانية 7 مليمات . وكانت هذه الخطوط منتظمة في مواعيدها بشكل لافت للنظر . وقدمت إدارة هذا الترام تسهیلات عديدة للركاب وللسكان . ونجحت عملية تسيير هذه العربات ، عندما عزلت الشركة مسار هذه الخطوط سواء من القاهرة إلى الضاحية ، أو داخل خطوط الضاحية نفسها .

 

وكلها توسعت الضاحية امتدت إليها خطوط المترو ، وبذلك ارتبطت الضاحية بوسيلة مواصلات منتظمة ونظيفة ورخيصة .. وسريعة .. وحتى تكتمل الخدمة للسكان وتحت مبدأ تشجيع الناس على السكني في هذه الضاحية – تم مد خطوط أخرى للترام ، كان يسمى الترام الأبيض ، وكان يربط بين المناطق العرضية التي لا تصل إليها خدمات المترو الأم ، وكان العامة يطلقون عليه 

 

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment